كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ثم جاء إبراهيم فقال: أين تريد؟ واللّه إني لأظن أن الشيطان قد جاءك في منامك فأمرك بذبح ابنك.
فعرفه إبراهيم فقال: إليك عني يا عدوّ اللّه؛ فواللّه لأمضين لأمر ربي.
فلم يصب الملعون منهم شيئًا.
وقال ابن عباس: لما أمر إبراهيم بذبح ابنه عرض له الشيطان عند جمرة العقبة فرماه بسبع حَصَيَات حتى ذهب، ثم عرض له عند الجمرة الوسطى فرماه بسبع حصيات حتى ذهب، ثم عرض له عند الجمرة الأخرى فرماه بسبع حصيات حتى ذهب ثم مضى إبراهيم لأمر اللّه تعالى.
واختلف في الموضع الذي أراد ذبحه فيه فقيل: بمكة في المقام.
وقيل: في المنحر بمنى عند الجمار التي رمى بها إبليس لعنه اللّه؛ قاله ابن عباس وابن عمر ومحمد بن كعب وسعيد بن المسيّب.
وحكي عن سعيد بن جُبير: أنه ذبحه على الصخرة التي بأصل ثَبِير بِمنىً.
وقال ابن جريج: ذبحه بالشام وهو من بيت المقدس على ميلين.
والأول أكثر؛ فإنه ورد في الأخبار تعليق قرن الكبش في الكعبة، فدل على أنه ذبحه بمكة.
وقال ابن عباس: فوالذي نفسي بيده لقد كان أول الإسلام، وإن رأس الكبش لمعلَّق بقرنيه من ميزاب الكعبة وقد يبس.
أجاب من قال بأن الذبح وقع بالشام: لعل الرأس حمل من الشام إلى مكة.
واللّه أعلم.
السادسة قوله تعالى: {إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي المحسنين} أي نجزيهم بالخلاص من الشدائد في الدنيا والآخرة.
{إِنَّ هذا لَهُوَ البلاء المبين} أي النعمة الظاهرة؛ يقال: أبلاه اللّه إبْلاءً وبَلاَءً إذا أنعم عليه.
وقد يقال بَلاهُ.
قال زهير:
فأَبْلاهما خَيْرَ البلاءِ الذي يَبْلو

فزعم قوم أنه جاء باللغتين.
وقال آخرون: بل الثاني من بَلاهُ يَبْلُوهُ إذا اختبره، ولا يقال من الاختبار إلا بَلاه يَبْلوه، ولا يقال من الابتلاء يبلوه.
وأصل هذا كله من الاختبار أن يكون بالخير والشر؛ قال اللّه عز وجل: {وَنَبْلُوكُم بالشر والخير فِتْنَةً} [الأنبياء: 35].
وقال أبو زيد: هذا من البلاء الذي نزل به في أن يذبح ابنه؛ قال: وهذا من البلاء المكروه.
السابعة قوله تعالى: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} الذِّبح اسم المذبوح وجمعه ذبوح، كالطحن اسم المطحون.
والذَّبح بالفتح المصدر.
{عظِيمٍ} أي عظيم القدر ولم يرِد عظيم الجثة، وإنما عظم قدره لأنه فدى به الذبيح؛ أو لأنه متقبَّل.
قال النحاس: عظيم في اللغة يكون للكبير وللشريف.
وأهل التفسير على أنه هاهنا للشريف، أو المتقَّبل.
وقال ابن عباس: هو الكبش الذي تقرَّب به هابيل، وكان في الجنة يرعى حتى فدى اللّه به إسماعيل.
وعنه أيضًا: أنه كبش أرسله اللّه من الجنة كان قد رعى في الجنة أربعين خريفًا.
وقال الحسن: ما فدِي إسماعيل إلا بتيس من الأَرْوَى هبط عليه من ثبِير، فذبحه إبراهيم فداء عن ابنه، وهذا قول علي رضي اللّه عنه.
فلما رآه إبراهيم أخذه فذبحه وأعتق ابنه.
وقال: يا بني اليوم وُهِبت لي.
وقال أبو إسحاق الزجاج: قد قيل إنه فَدِي بوَعْل، والوَعْل: التيس الجبلي.
وأهل التفسير على أنه فُدِي بكبش.
الثامنة في هذه الآية دليل على أن الأضحية بالغنم أفضل من الإبل والبقر.
وهذا مذهب مالك وأصحابه.
قالوا: أفضل الضحايا الفحول من الضأن، وإناث الضأن أفضل من فحل المعز، وفحول المعز خير من إناثها، وإناث المعز خير من الإبل والبقر.
وحجتهم قوله سبحانه وتعالى: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} أي ضخم الجثة سمين، وذلك كبش لا جمل ولا بقرة.
وروى مجاهد وغيره عن ابن عباس أنه سأله رجل: إني نذرت أن أنحر ابني؟ فقال: يجزيك كبش سمين، ثم قرأ {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ}.
وقال بعضهم: لو علم اللّه حيوانًا أفضل من الكبش لفدى به إسحق.
وضحّى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين.
وأكثر ما ضحّى به الكباش.
وذكر ابن أبي شيبة عن ابن عُلَيَّة عن الليث عن مجاهد قال: الذِّبح العظيم الشاة.
التاسعة واختلفوا أيما أفضل: الأضحية أو الصدقة بثمنها.
فقال مالك وأصحابه: الضحية أفضل إلا بمنىً؛ لأنه ليس موضع الأضحية؛ حكاه أبو عمر.
وقال ابن المنذر: روينا عن بلال أنه قال: ما أبالي ألا أضحي إلا بديك ولأن أضعه في يتيم قد تَرِب فيه هكذا قال المحدث أحب إليّ من أن أضحي به.
وهذا قول الشعبي إن الصدقة أفضل.
وبه قال مالك وأبو ثور.
وفيه قول ثانٍ: إن الضحية أفضل؛ هذا قول ربيعة وأبي الزناد.
وبه قال أصحاب الرأي.
زاد أبو عمر وأحمد بن حنبل قالوا: الضحية أفضل من الصدقة؛ لأن الضحية سنة مؤكدة كصلاة العيد.
ومعلوم أن صلاة العيد أفضل من سائر النوافل.
وكذلك صلوات السنن أفضل من التطوّع كله.
قال أبو عمر: وقد روي في فضل الضحايا آثار حسان؛ فمنها ما رواه سعيد بن داود بن أبي زَنْبَر عن مالك عن ثور بن زيد عن عكرمة عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من نفقة بعد صلة الرحم أفضل عند اللّه من إهراق الدم» قال أبو عمر: وهو حديث غريب من حديث مالك.
وعن عائشة قالت: يا أيها الناس ضحُّوا وطِيبوا أنفسًا؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من عبد توجّه بأضحيته إلى القبلة إلا كان دمها وقرنها وصوفها حسناتٍ محضراتٍ في ميزانه يوم القيامة فإن الدم إن وقع في التراب فإنما يقع في حِرْز اللّه حتى يوفيه صاحبه يوم القيامة» ذكره أبو عمر في كتاب التمهيد.
وخرجه الترمذي أيضًا عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
«ما عمِل آدميٌّ من عملٍ يوم النحرِ أحبّ إلى اللّه من إهراق الدم إنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها، وإنّ الدم ليقعُ من اللّه بمكانٍ قبل أن يقع إلى الأرض فطِيبوا بها نفسًا» قال: وفي الباب عن عِمْران بن حُصَين وزيد بن أَرْقَم.
وهذا حديث حسن.
العاشرة إن الضحية ليست بواجبة ولكنها سنّة ومعروف.
وقال عكرمة: كان ابن عباس يبعثني يوم الأضحى بدرهمين أشتري له لحمًا، ويقول: من لقيتَ فقل هذه أضحية ابن عباس.
قال أبو عمر: ومحمل هذا وما روي عن أبي بكر وعمر أنهما لا يضحيان عند أهل العلم؛ لئلا يعتقد في المواظبة عليها أنها واجبة فرض، وكانوا أئمة يقتدي بهم من بعدهم ممن ينظر في دينه إليهم؛ لأنهم الواسطة بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أمته، فساغ لهم من الاجتهاد في ذلك ما لا يسوغ اليوم لغيرهم.
وقد حكى الطحاوي في مختصره: وقال أبو حنيفة: الأضحية واجبة على المقيمين الواجدين من أهل الأمصار، ولا تجب على المسافر.
قال: ويجب على الرجل من الأضحية على ولده الصغير مثل الذي يجب عليه عن نفسه.
وخالفه أبو يوسف ومحمد فقالا: ليست بواجبة ولكنها سنة غير مرخص لمن وجد السبيل إليها في تركها.
قال: وبه نأخذ.
قال أبو عمر: وهذا قول مالك؛ قال: لا ينبغي لأحد تركها مسافرًا كان أو مقيمًا، فإن تركها فبئس ما صنع إلا أن يكون له عذر إلا الحاج بمنىً.
قال الإمام الشافعي: هي سنة على جميع الناس وعلى الحاج بمنىً وليست بواجبة.
وقد احتج من أوجبها بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا بُرْدة بن نِيَار أن يعيد ضحية أخرى؛ لأن ما لم يكن فرضًا لا يؤمر فيه بالإعادة.
احتج آخرون بحديث أمّ سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا دخل العشر وأراد أحدكم أن يضحي» قالوا: فلو كان ذلك واجبًا لم يجعل ذلك إلى إرادة المضحِّي.
وهو قول أبي بكر وعمر وأبي مسعود البدريّ وبلال.
الحادية عشرة والذي يضحى به بإجماع المسلمين الأزواج الثمانية: وهي الضأن والمعز والإبل والبقر.
قال ابن المنذر: وقد حكي عن الحسن بن صالح أنه قال: يضحى ببقرة الوحش عن سبعة، وبالظبي عن رجل.
قال الإمام الشافعي: لو نزا ثور وحشي على بقرة إنسيّة، أو ثور أنسي على بقرة وحشية لا يجوز شيء من هذا أضحية.
وقال أصحاب الرأي: جائز؛ لأن ولدها بمنزلة أمه.
وقال أبو ثور: يجوز إذا كان منسوبًا إلى الأنعام.
الثانية عشرة قد مضى في سورة الحج الكلام في وقت الذبح والأكل من الأضحية مستوفى.
وفي صحيح مسلم عن أنس قال:
«ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده وسمّى وكبّر ووضع رجله على صِفَاحهما» وفي رواية قال: «ويقول بسم اللّه واللّه أكبر» وقد مضى في آخر الأنعام حديث عِمران بن حُصَين، ومضى في المائدة القول في التذكية وبيانها وما يُذَكَّى به، وأن ذكاة الجنين ذكاة أمّه مستوفىً.
وفي صحيح مسلم عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمر بكبش أقرن يطأ في سواد ويبرك في سواد وينظر في سواد فأتى به ليضحي به» فقال لها: «يا عائشة هَلُمِّي المدية»ثم قال: «اشحذيها بحجر» ففعلت، ثم أخذها وأخذ الكبش فأضجعه ثم ذبحه، ثم قال: «بسم اللّه اللهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد. ثم ضحى به» وقد اختلف العلماء في هذا فكان الحسن البصري يقول في الأضحية: بسم اللّه واللّه أكبر هذا منك ولك تقبل من فلان.
وقال مالك: إن فعل ذلك فحسن، وإن لم يفعل وسمى اللّه أجزأه.
وقال الشافعي: والتسمية على الذبيحة بسم اللّه، فإن زاد بعد ذلك شيئًا من ذكر اللّه، أو صلّى على محمد عليه السلام لم أكرهه، أو قال اللهم تقبل مني، أو قال تقبل من فلان فلا بأس.
وقال النعمان: يكره أن يذكر مع اسم اللّه غيره؛ يكره أن يقول: اللهم تقبل من فلان عند الذبح.
وقال: لا بأس إذا كان قبل التسمية وقبل أن يضجع للذبح.
وحديث عائشة يردّ هذا القول.
وقد تقدم أن إبراهيم عليه السلام قال لما أراد ذبح ابنه: اللّه أكبر والحمد للّه.
فبقي سنة.
الثالثة عشرة روى البَرَاء بن عازِب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل: ماذا يُتّقَى من الضحايا؟ فأشار بيده وقال: «أربعًا وكان البراء يشير بيده ويقول يدي أقصر من يد رسول الله صلى الله عليه وسلم العرجاء البيّن ظَلَعُها والعوراء البيِّن عَوَرُها والمريضة البيّن مرضُها والعجفاء التي لا تُنْقى» لفظ مالك ولا خلاف فيه.
واختلف في اليسير من ذلك.
وفي الترمذيّ عن عليّ رضي اللّه عنه قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستَشِرف العين والأذن وألاّ نضحِّي بمقابلة ولا مُدَابَرة ولا شَرْقاء ولا خَرْقاء.
قال: والمقابلة ما قطع طرف أذنها، والمدَابَرة ما قطِع من جانب الأذن، والشَّرقاء المشقوقة، والخرقاء المثقوبة؛ قال هذا حديث حسن صحيح.
وفي الموطإ عن نافع: أن عبد اللّه بن عمر كان يَتَّقي من الضحايا والبدن التي لم تُسْنن والتي نقص من خَلْقها.
قال مالك: وهذا أحبّ ما سمعت إلي.
قال القتبي: لم تُسنن أي لم تنبت أسنانها كأنها لم تُعَط أسنانًا.
وهذا كما يقال: فلان لم يُلْبَن أي لم يُعطَ لبنًا، ولم يُسمَن أي لم يعط سمنًا، ولم يعُسَل أي لم يُعَط عسلًا.
وهذا مثل النهي في الأضاحي عن الهتماء.
قال أبو عمر: ولا بأس أن يضحي عند مالك بالشاة الهتماء إذا كان سقوط أسنانها من الكبر والهرم وكانت سمينة؛ فإن كانت ساقطة الأسنان وهي فتية لم يجز أن يضحي بها؛ لأنه عيب غير خفيف.
والنقصان كله مكروه، وشرحه وتفصيله في كتب الفقه.
وفي الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم.
«استشرقوا ضحاياكم فإنها على الصراط مطاياكم» ذكره الزمخشري.
الرابعة عشرة ودلّت الآية على أن من نذر نحر ابنه أو ذبحه أنه يفديه بكبش كما فدى به إبراهيم ابنه؛ قاله ابن عباس.
وعنه رواية أخرى: ينحر مائة من الإبل كما فدى بها عبد المطلب ابنه؛ روى الروايتين عنه الشعبي.
وروى عنه القاسم بن محمد: يجزيه كفارة يمين.
وقال مسروق: لا شيء عليه.
وقال الشافعي: هو معصية يستغفر اللّه منها.
وقال أبو حنيفة: هي كلمة يلزمه بها في ولده ذبح شاة ولا يلزمه في غير ولده شيء.
قال محمد: عليه في الحلف بنحر عبده مثل الذي عليه في الحلف بنحر ولده إذا حنث.